حادث التحطم الذي أسفر عن مقتل 41 شخصاً في مطار شيريميتيفو في موسكو يوم الأحد الماضي لم يفسَّر بشكل كامل بعد. غير أنه ينبغي أن يشكِّل تذكيراً بأن طموحات ما بعد عهد الإمبراطورية لها كلفة، بما في ذلك كلفة من حيث الأرواح البشرية. طائرة «سوخوي سوبرجيت 100» («إس إس جاي 100») المنكوبة التابعة لشركة طيران «آيروفلوت» الروسية كانت قد عادت إلى المطار بعد 30 دقيقة على إقلاعها بسبب ضربة صاعقة، وبعد ذلك قامت بعملية هبوط عنيفة شبّت فيها النار على إثرها، بينما كانت ترتد على المدرج. وتُعد الـ«إس إس جاي 100» طائرةَ المسافرين الوحيدة المصممة في روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي التي تُستخدم تجارياً اليوم. والطائرة المعرضة للأعطاب هي من المشاريع البارزة في عهد بوتين، وتمثّل محاولة لاستثمار خبرة صانع الطائرات الحربية «سوخوي» في استعادة بعض مجد صناعة الطائرات في العهد السوفييتي. غير أنه يفترض أن يكون واضحاً الآن أن المحاولة باءت بالفشل، على الأقل في الوقت الراهن.
الإمبراطورية كانت تفتخر بعدم استخدام طائرات مستوردة باعتباره مسألة أمن قومي. وكانت صناعة الطائرات السوفييتية توظّف نحو مليوني شخص في نهاية الثمانينيات، وتنتج نحو 150 طائرة مدنية. ولكن في منتصف التسعينيات، مات القطاع ميتة مؤلمة بعد أن أضحى الروس الفقراء يطيرون بشكل أقل، وبعد أن تفوقت شركتا «بوينج» و«إيرباص» على شركات التصميم السوفييتية. وبعد وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة في 2000، بذلت الحكومة الروسية جهوداً كبيرة لإعادة تأميم ما تبقى من قطاع الطيران السوفييتي وجلب طائرات جديدة إلى السوق. فقد كان صنع الطائرات في روسيا بالنسبة لبوتين مسألةَ هيبة وطنية، ومؤشراً على أن روسيا ما زالت قوة عظمى على قدم المساواة مع الولايات المتحدة وأوروبا وقبل الصين.
مشروع سوخوي، الذي اقترحته شركة لا تملك خبرة في صناعة الطائرات المدنية ولكنها ذات تاريخ في صادرات طائرات حربية ناجحة، اختير في 2002 على مشروع آخر، بناء على تصميمات من منظمة توبوليف، وبحلول 2006 أصبح المشروعَ الوحيد تقريباً المدعوم من الحكومة في القطاع، حيث تلقى تمويلاً مباشراً من الدولة وقروضاً من البنوك التي تسيطر عليها الدولة. وكانت «بوينج» مستشاراً بارزاً للمشروع، وكانت القطع والمكونات تُجلب من نحو 40 شركة من 10 بلدان.
كان المستقبل يبدو مشرقاً على نحو معقول في البداية بالنسبة لطائرة الـ«إس إس جاي»، التي سُمح لها أخيراً بالطيران في 2011. في تلك السنة، قدمت شرطة الطيران المكسيكية منخفضة الكلفة «إنترجيت» طلبية لاقتناء 30 طائرة، بعد أن جذبها السعر الترويجي المنخفض. كما كان ثمة اهتمام من مشترين آخرين خارج روسيا أيضاً. ولكن في مايو 2012، تحطمت الـ«إس إس جاي 100» بعد ارتطامها مع جبل إندونيسي خلال تجربة طيران، ما أسفر عن مقتل 37 عميلاً محتملاً وصحفيَيْن ، إضافة إلى مندوبين اثنين من شركة «سوخوي» وستة من أفراد طاقم الطائرة. وحُملت مسؤوليةُ التحطم لخطأ ارتكبه قائد الطائرة، ولكن وقوع حادث كبير مبكراً في تاريخ الطائرة أضعف الثقة فيها – لأسباب وجيهة، كما تبين لاحقاً.
والشهر الماضي، تم إلغاء عقد لاقتناء 15 طائرة «إس إس جاي» مع شركة الطيران السلوفينية «أدريا» على نحو غير متوقع. فقد كان واضحاً حتى قبل حادث تحطم يوم الأحد، أن مخططات «سوخوي» الأولى لبيع 800 طائرة «سوبر جيت» قبل 2024 منها، 500 خارج روسيا، قد أُجهضت.
وعلى الرغم من أن السلطات الروسية لم تأمر بمنع طائرة «يوبر جيت» من الطيران، فإن أكثر من عشر سنوات من الاستثمار الحكومي الروسي في فكرة أن روسيا تستطيع أن تكون صانع طائرات منافساً، لم تعطِ سوى دلائل عكسية حتى الآن.
والحال أن طائرات «إس إس جاي» ينبغي أن ُتمنع من الإقلاع إلى حين الانتهاء من تحقيق شامل. وهذا ما فعلته السلطات الأميركية، وإنْ مكرهةً وتحت الضغط، عندما ووجهت بأدلة على وجود مشاكل متكررة في طائرة بوينج «737 ماكس»، رغم أن الضرر بخصوص السمعة وإمكانية الخسائر المالية هي أعلى وأعظم في حالة «بوينج» منها في حالة «سوبرجيت».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
الإمبراطورية كانت تفتخر بعدم استخدام طائرات مستوردة باعتباره مسألة أمن قومي. وكانت صناعة الطائرات السوفييتية توظّف نحو مليوني شخص في نهاية الثمانينيات، وتنتج نحو 150 طائرة مدنية. ولكن في منتصف التسعينيات، مات القطاع ميتة مؤلمة بعد أن أضحى الروس الفقراء يطيرون بشكل أقل، وبعد أن تفوقت شركتا «بوينج» و«إيرباص» على شركات التصميم السوفييتية. وبعد وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة في 2000، بذلت الحكومة الروسية جهوداً كبيرة لإعادة تأميم ما تبقى من قطاع الطيران السوفييتي وجلب طائرات جديدة إلى السوق. فقد كان صنع الطائرات في روسيا بالنسبة لبوتين مسألةَ هيبة وطنية، ومؤشراً على أن روسيا ما زالت قوة عظمى على قدم المساواة مع الولايات المتحدة وأوروبا وقبل الصين.
مشروع سوخوي، الذي اقترحته شركة لا تملك خبرة في صناعة الطائرات المدنية ولكنها ذات تاريخ في صادرات طائرات حربية ناجحة، اختير في 2002 على مشروع آخر، بناء على تصميمات من منظمة توبوليف، وبحلول 2006 أصبح المشروعَ الوحيد تقريباً المدعوم من الحكومة في القطاع، حيث تلقى تمويلاً مباشراً من الدولة وقروضاً من البنوك التي تسيطر عليها الدولة. وكانت «بوينج» مستشاراً بارزاً للمشروع، وكانت القطع والمكونات تُجلب من نحو 40 شركة من 10 بلدان.
كان المستقبل يبدو مشرقاً على نحو معقول في البداية بالنسبة لطائرة الـ«إس إس جاي»، التي سُمح لها أخيراً بالطيران في 2011. في تلك السنة، قدمت شرطة الطيران المكسيكية منخفضة الكلفة «إنترجيت» طلبية لاقتناء 30 طائرة، بعد أن جذبها السعر الترويجي المنخفض. كما كان ثمة اهتمام من مشترين آخرين خارج روسيا أيضاً. ولكن في مايو 2012، تحطمت الـ«إس إس جاي 100» بعد ارتطامها مع جبل إندونيسي خلال تجربة طيران، ما أسفر عن مقتل 37 عميلاً محتملاً وصحفيَيْن ، إضافة إلى مندوبين اثنين من شركة «سوخوي» وستة من أفراد طاقم الطائرة. وحُملت مسؤوليةُ التحطم لخطأ ارتكبه قائد الطائرة، ولكن وقوع حادث كبير مبكراً في تاريخ الطائرة أضعف الثقة فيها – لأسباب وجيهة، كما تبين لاحقاً.
والشهر الماضي، تم إلغاء عقد لاقتناء 15 طائرة «إس إس جاي» مع شركة الطيران السلوفينية «أدريا» على نحو غير متوقع. فقد كان واضحاً حتى قبل حادث تحطم يوم الأحد، أن مخططات «سوخوي» الأولى لبيع 800 طائرة «سوبر جيت» قبل 2024 منها، 500 خارج روسيا، قد أُجهضت.
وعلى الرغم من أن السلطات الروسية لم تأمر بمنع طائرة «يوبر جيت» من الطيران، فإن أكثر من عشر سنوات من الاستثمار الحكومي الروسي في فكرة أن روسيا تستطيع أن تكون صانع طائرات منافساً، لم تعطِ سوى دلائل عكسية حتى الآن.
والحال أن طائرات «إس إس جاي» ينبغي أن ُتمنع من الإقلاع إلى حين الانتهاء من تحقيق شامل. وهذا ما فعلته السلطات الأميركية، وإنْ مكرهةً وتحت الضغط، عندما ووجهت بأدلة على وجود مشاكل متكررة في طائرة بوينج «737 ماكس»، رغم أن الضرر بخصوص السمعة وإمكانية الخسائر المالية هي أعلى وأعظم في حالة «بوينج» منها في حالة «سوبرجيت».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»